expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

الاثنين، 10 مارس 2014

الفقراء لا يدخلون الجنة !


تأتي أيام عيد الأضحى المبارك بمزيج من الفرحة والأسى ليمر أمام أعيننا شريط من ذكريات الطفولة والذي يحمل في جوانحه بهجة وفرحة بطفولة سعيدة لا تحمل من الهموم شيئاً .....
أكل ولعب وفرحة بدماء الأضحيات تقابلها فرحة بالعيدية الثمينة التي طالما كانت تذهب إلى جيوب أمهاتنا عن طيب خاطر منا بدعوى حفظها . حفظهم الله لنا وحفظنا لهم ...
أما الأن فالفرح قليل والحمل ثقيل خاصة على من لا يعيش وحده في المجتمع ...

وعلى غير عادتي كل عام لم أصلي في ذلك المُصلى ولم أذهب من ذلك الطريق بل قررت أن أغوص في أعماق الشوارع لأرى بنفسي وأرصد مظاهر العيد ولم تتملكني الحيرة في اختيار الشوارع التي أغوص فيها فقد اخترت منطقة عشوائية بحكم قربها من منزلي وارتباطي العاطفي بها . لا عشوائية الاختيار بل عشوائية التنظيم - أفلام خالد يوسف - ...

بدأت جولتي من يوم عرفة وقد كانت البداية كفراً فقد بدأتها بالسوق حيث المشاهد الملطخة بالدماء وأصوات النعير والمأمأة وطلبات الشراء وصوت خافت يأن يخرج من جانب دكانة هذا الجزار وهذا وهذا وذاك ...
إمرآة يبدو عليها إرهاق الفقر هي بالطبع من سكان المنطقة تقف لتتذلل إلى الجزار حتى يعطيها رأس هذا الخروف أو سيقانه أو قطعة دهن بها بعض من رائحة اللحم .....
حقيقة هو لا يهتم فطلبات الشراء تتزايد والغريب أنهم على الأغلب ليسوا من سكان المنطقة ثم يزيحها الجزار من طريقه بلا رحمة فتسير هادئة تغلي كالبركان من الداخل هي بالفعل لا تريد أن تأكل اللحم فقد تستطيع التحكم في شهوتها وأطفالها مثلها فإنهم يرغبون دائماً - صوص الفول - ولكن هي تريد أن تدخل عليهم السرور ولو كان وهمياً لتخفف عنهم أعباء الحياة ..

صخب عالي يهرب منه الفقراء مُنكسين الرؤوس ليتركوا الجمل بما حمل لمن يستطيع الشراء . مرت تلك السيدة البركان ببائع البطاطس واستطاعت أن تقنعه أن يعطيها "شروة " البطاطس التي قاربت على التعفن ببضع جنيهات واستطاعت بنظرة ثاقبة إلى مقلب زبالة الخضراوات أن ترى بعض حبات الطماطم التي ربما تؤدي دوراً في وليمة اليوم فاليوم يوم عرفة يوم الولائم ...
بيوت كثيرة في تلك المنطقة ربما تكمل مسيرة - صوص الفول - ويتدرج الفقر في بيوتها كلُ على قدره .. 

تشائمت كثيراً وقررت العودة إلى المنزل لأرى وليمة والدتي فحمدت الله كثيراً على ما أعطانا وجلست أتناول الطعام ودواخلي تتمزق مما رأيت ويزداد الألم لأنني لا أجد في جيبي ما يكفي لسد جوعهم وإدخال الفرحة على قلوبهم ...

مرت ساعات قليلة علي وجودى في المنزل حيث يمر شريط ذكريات العيد بفرحته وأماله . كنا إذا أخذنا تلك الإجازة نشعر وكأننا خرجنا خارج العالم . وقت مستقطع لنسيان كل شيئ إلا الفرحة أما الأن فلا شيئ من ذلك 

أخذت أفكر في كل يتيم يجلس في بيته ينتظر يد أباه لتلامس رأسه وضمة إلي صدره ربما تنسيه جميع الألام والأحزان وكل مريض يبكي والناس يفرحون وكل فقير يتضور جوعاً والبطون ممتلئة حتى سمعت الميكرفون الخاص بالمسجد المجاور ينادي على الناس بأن فلاناً قد مات يا إلهي رجُل طيب سمح الوجه كان صديقاً لجدي . كيف سيكون حال أولاده وأحفاده في العيد ؟؟ ربما أسوء من الكثير ...

ضاق البيت بي وضقت به وقررت أن أعود إلى الشوارع مرة أخرى لأتفقدها وكانت الخطة أن أدخل في ذلك المضمار المسمي " الزقايق " الذي لم أكن أحفظه يوماً ما بل أمشي فيه ببصيرتي لا ببصري ....

ودخلت ويا للعجب .. نفس المنطقة ، نفس البشر ، نفس علامات الفقر ولكنهم يجبرون أنفسهم على النسيان فلم أكد أمر على أول ناصية حتى وجدت مجموعة من الشباب - الفقراء -  دنيا ودين .... يجلسون بجانبهم صخب المهرجانات وقطع الحشيش والترامادول والتبغ والبفرااا  وينظرون إلى العالم بتكبر حيث يخبرونه بأنهم استطاعوا نسيان ألامه ولكنهم موهومون لأن قطع الحشيش مضروبة ! - علي قد فلوسهم - ..........

جو ملئ بالدخان لا تكاد تسترد وعيك من تلك الناصية حتى تصطدم بناصية أخرى وإذا أردت عمل الدماغ فلا تتحرج من الدخول في أي مجموعة والجلوس والشرب ولن يمنعك أحد وإذا أردت الشراء أيضاً فلن ينقصك شيئ سوى المال فالحشيش متوفر والبرشام والخمور وكل شيئ حتي السكس !....

ابتعدت عن كل ذلك وعدت إلى البيت لأستعد لصلاة الفجر والعيد وحمدت الله مرة أخرى على وجود مياة للاستحمام فربما يحتاج الأخرون إلى عمل جمعيات كبيرة لتوفير ثمن ذلك الموتور حتى يقوموا بتوفير مياة الشرب !!! . انتهيت من الاستحمام وبدلت ملابسي وتطيبت ونزلت إلى الصلاة فوجدت الوجوه مازالت كما هي نفس الأشخاص يصلون الفجر بنفس الثياب بنفس الهموم بتفاصيل كل شيئ .....

وجاءت صلاة العيد وتفائلت كثيراً فلعلي أجد ما يجعلني أشعر أن هؤلاء الناس يشعرون بالسعادة ولكنني لم أجد إلا القليل فالهموم تحيط بالمكان ، يحاولون الفرح بأقل القليل ...
تجد الأب يلبس عبائته التي اشتراها منذ سنوات مخفياً احتياجه لواحدة أخرى في سبيل توفير ملابس جديدة " درجة ثانية وربما ثالثة " لأطفاله حتى يسعدوا بها أياماً وستتمزق وحدها بعد ذلك ...
يتهافت الأطفال على الألعاب التي يوزعها المُصلى لأنها ربما تكون هي اللعبة الأولى والأخيرة التي يستطيعون الحصول عليها هموم كثيرة ورضا كبير رأيته في العيون ....

مرت دقائق حتى وجدت من يدق على كتفي
ياااه إنه أحد الأصدقاء " أصدقاء المسجد " ... سلمت عليه وتعانقنا وتحدثنا قليلاً عن ما وصل إليه كلانا في مستقبلنا وحمدت الله تلك المرة في سري على ما وصلت إليه وعرضت عليه أن نجلس سوياً على القهوة لنسترجع ذكريات الماضي وجلسنا سوياً وتحدث لي عن حاله وضيق الحال وعن بيته وكيف يحرص على العمل لمساعدة والده وكيف يأتي العيد ليذبحهم بسكين الاحتياج ...
تحدثنا كثيراً وتذوقنا مرارة القهوة مختلطة بدخان السيجارة وحتى السيجارة لم يُفرط فيها فاكتفى بواحدة حتى لا تؤثر على الميزانية ولكن حديثه أحزنني كثيراً وخاصة لأنني لا أجد في جيبي ما يفك كربته غير فنجان القهوة وبعض أعمدة الدخان . انتهي الحديث وتعانقنا وسار كلاً منا من طريق ولم نتفق على لقاء أخر وتركناها للقدر  

عدت إلى البيت وأنا أفكر في كل كلمة قالها لى طوال الطريق فلم أعرف ماذا أقول له عندما اختتم حديثه بقوله
" الفقراء لا يدخلون الجنة " لا جنة الدنيا فحسب بل جنة الأخرة أيضاً فهي الأخرى لا يساعدهم في الوصول إليها أحد وعندما باغته بسؤال عن الحل . حل تلك الأزمة كانت إجابته في قمة الوضوح .... فكر بغيرك !..

فقررت أن أكتب ذلك المقال لأنه الشيئ الوحيد الناتج عن تفكيري بغيري وأهديه إلى صديقي الفقير فربما لو كانت الظروف غير ذلك لأصبح كاتباً مشهوراً .... شكراً لك يا صديقي !


محمد مندور 
28-10-2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق