expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

الأربعاء، 6 فبراير 2013

قصة قصيرة : الحب بين أحضان الخيال ..



لم يكن هذا الإمتحان بالشيئ الذي يثير القلق بداخلي خوفاً من عدم تخطيه علي الرغم من أنه أثار ذعراً كبيراً بين أبناء دفعتي لما عُرف عن تلك المادة من صعوبتها الشديدة ولكن في مثل حالتي وبعد تجربة رسوب عام في كلية الهندسة أصبحت قادراً علي التعامل مع جميع المواد بنفسية هادئة مهما كانت صعوبتها وعلي الرغم من أن الإمتحان جاء أصعب مما كان متوقع إلا أنني لم أندهش !! ..
فقد كانت رغبتي في النوم أكبر بكثير من التفكير فيما يخص الإمتحان خاصة بعد يومين من السهر المتتالي .

عُدت إلي المنزل بعد معاناة كالعادة في المواصلات لأجد السرير فاتحاً ذراعيه لاستقبالي جثة هامدة فاحتضنت وسادتي وأنا علي قناعة تامة بأن النوم سيأتي في الحال إلا أن أحداث يومي كان لها رأي أخر ...

رأيت يارا بعد الإمتحان مباشرة كالعادة بردائها المُحافِظ  وملامحها التي تبدو مألوفة بالنسبة لي . لم تكن جميلة بالقدر الذي يثير مشاعري تجاهها إلي هذا الحد ولكننى تعلقت بتلك الملامح التي يكسوها الحزن أغلب الأحيان ، وابتسامتها التي تخفي ورائها أوجاعاً ربما تشابهت مع أوجاعي كثيراً ، وصمتها الدائم فهي لا تتحدث إلا نادراً وربما لا أستطيع تمييز صوتها من بين أصوات بقية الفتيات ...

هذا بالكاد ما أعرفه عنها من خلال قراءة وجهها وعلي الرغم من أننا نعمل سوياً في مشروع خاص بالكلية إلا أنني لم أحادثها إلا مرات قليلة جداً وكنت أكتفي فقط بإظهار الإعجاب بطريقة عملها في المهمة الموكلة إليها وكانت هي الأخري تفعل ذلك مما أثار شكوك المقربين حولنا بأن هناك شيئاً ما بيننا ...

كان اليوم سينتهي عادياً بلا شيئ يعكر صفوه إلا أنني رأيتها تقف مع أحد الزملاء يتبادلون أطراف الحديث ولا أعرف لماذا أصابني الذعر في ذلك اليوم تحديداً رغم أني رأيتها في ذلك المشهد من قبل ..
لا أعتقد أنها غيرة لأنني لا استطيع أن أجزم أني أحبها ولا أعرف شعورها هي الأخري تجاهي ..
لكن ربما تمنيت أن أكون مكان هذا الزميل لا أعرف لماذا أو ماذا سأقول لها ولكنني أعتقد دائماً أني سأكون سعيداً بتبادل الحديث معها ...

غلبني النوم وأنا أري شريط يومي يمر أمام عيني ولم أشعر بشئ وكأنني ميت وهكذا أكون دائماً ولا أجد من أحمله عناء إيقاظي من النوم سوي أختي الصغيرة التي تتكبد عناء تلك المهمة يومياً .. بعد عدة محاولات لإرجاع الحياة إلي جسدي نجحت أختي في إيقاظي لأنطلق من السرير إلي مكتبي بخطوات ثابته وأنا في كامل يقظتي !! ..
تناولت غدائي أو عشائي لا أتذكر وأنا أتصفح الفيس بوك وأتابع ردود أفعال ذلك الإمتحان السخيف إلي أن قاطعني صديقي أمير كاتباً لي : إية الأخبار ..

قلت : الحمد لله .. عملت إية فـ الإمتحان ؟!
قال : كبر دماغك ..
وكعادتي في المواقف العصيبة فقد مزحت قائلاً : كدا مش هعرف أخلع الفانلة !!
ضحك أمير وأتبع قائلاً : إبقي قصها من عليك بالمقص ..
أصابني مردود الألشة بالمغض فقلت : مساء البيض المستمر ..
قال : مخنوق أوي يا صاحبي .. 
وكعادتنا في مشاركة بعضنا البعض الهموم لم أسأله شيئاً  ... بل قلت : أنا النهاردة بالظبط تلت ساعة فـ الإمتحان سايب القلم وسرحان فـ اللي حواليه ..

فرد وكأنه يواسى نفسه : كبر دماغك يا عم أنا مقتنع إني مش غبي ومش بعرف أحل بردو فيها إية ؟! تقدر تقول مش مجالي غير إني كمان مش موفق أوي ...
النهاردة بقي مشيت بسرعة علي غير العادة وأخدت قرار همشي من غير ما اشوفها وهركب من غير ما استني حد فركبت ونمت فـ الأتوبيس وحلمت إن أهلي كانوا مسافرين وبعدين حصل حادثة وماتوا كلهم ومتبقاش بس غير أحمد إبن اخويا وبقيت أنا وهو بس عايشين هنا وبقي هو زى إبني واهتميت بتربيته ...

قاطعته قائلاً : " لفظة اعتراضية " ... متكلمنيش تاني يا عم .

وبعد فترة صمت بيني وبينه قال : التخيل دة مهم يا ابني أنا لما تخيلت كدا في الحلم حد سألني إية مواصفات الزوجة اللي إنت عاوزها عشان كنت عاوز اتجوز حد يعيش معايا ويساعدني في تربية أحمد كانت إجابتي تكون أم وتقدر تستحمل الوضع ...

قلت : ما انا عارف أم التخيل دة وحافظه .. الغريب إني حلمت حلم بنفس المواصفات النهاردة ! ..

انهمرت الضحكات المتتالية علي الشات ودواخلي يكاد يصيبها الجنون .. كيف لنا أن نحلم نفس الحلم في نفس اليوم ونفس التوقيت تقريباً والذي استيقظت وجميع مشاعري ترفضه لماذا يتم تأكيده بقصة مشابهة وظروف مشابهة !! ..
لم يصدق أمير فطلب مني أن أحلف !! فأقسمت وكأنني أيضاً لا أصدق بل بالفعل أنا لا أصدق !! ...

اتبعت قائلاً : إنت عارف إن يارا والدها متوفي مع إني مش متأكد بس ما علينا ..
المهم إني حلمت إية بقي قال والدتها هي واخواتها كمان ماتوا والشقة اللي كانت فيها انطردت منها ومفيش حد من قرايبها تقدر تروح عنده وكانت قاعدة مع رانيا في الكلية وبتعيط ومتسألنيش عرفت منين ! .
المهم إني روحتلها الكلية وعرضت عليها تيجي تعيش معايا في الشقة عشان أنا أهلي هما كمان ماتوا في حادثة كلهم وانا لوحدي ! وعشان تبقي حاجة شرعية عرضت عليها الجواز وقلتلها هيبقي في مأذون وعقد وكل حاجة بس هنعيش زي الإخوات لغاية ما نتخرج وتقدر تعتمد علي نفسها وساعتها هطلقها وكأن مفيش حاجة حصلت والغريب إنها وافقت !!!...

عيشنا إخوات لغاية التخرج وبعدين أنا اشتغلت وبعد سنة من شغلي كان قرارها إننا نحول جوازنا حقيقي ونكمل مع بعض وبقية الحلم كان حب ورومانسية وكنا لسة هنخطي لقيت أختي صحتني ! ..

انتهي الحوار بيني وبين صديقي بصمت طويل يتخلله تفكير عميق داخل كل منا في حلمه البائس ...

فكرت في كل شيئ ولم أستطع الوصول لسبب لما حدث لا أقصد بالطبع حلمنا المشترك لأن ظروفنا إلي حد كبير متشابهة بل جناية حلمي فقد قتلت كل من حولي وحولها وقمت بإزالة جميع العقبات لنبقي سوياً ..
هل أحبها لتلك المرحلة التي جعلتني أحلم بأني فقدت كل من حولي وفي قمة سعادتي لأني سأبقي معها وكيف ذلك وأنا لا أعرف شعورها نحوي في الأساس ! ..

الغريب في هذا الحلم أنه لم يأخذ وقتاً طويلاً فى سرد تفاصيل عديدة كموت من ماتوا وسبب طردها من منزلها وموافقتها السريعة ولكن كان التركيز كاملاً علي موافقتها بعد العام من تخرجنا علي البقاء بجانبي ...

كان ذلك المشهد أشبه بالأساطير الرومانسية ...
فتحت باب شقتنا لأجد الظلام يعم المكان وظننت حينها أن يارا ربما ذهبت لإحدي صديقاتها ...
إلا أن نوراً خافتاً أضاء في غرفة نومي وسمعت صوتها الذي عشقته وهو يناديني بكل رقة فذهبت إليها مسرعاً تدفعني نبضات قلبي وكأنها علي علم بما سيحدث ... 

وقفت على باب الغرفة وبدأ النور يزداد تدريجياً لأري أمامي حورية من السماء ...
لم أراها هكذا من قبل وربما السبب في ذلك أنني كنت أغض الطرف عنها طيلة الفترة الماضية ولكنني حقاً أراها اليوم بشكل مختلف ...
تفقدت عيني جوانب الغرفة وهي ترقص فرحاً وكأنها أصبحت قطعة من الجنة وخاصة مع هذا العشاء الرومانسي والموسيقي الهادئة التي اختارتها بعناية فهي تعرف جيداً أني أعشقها ...

لم تستطع شفتاي أن تنطق بكلمة واحدة فمازلت لا أستوعب ما يحدث حولي إلي أن قاطعتني قائلة ..
يكون شرفاً كبيراً لي أن أكون زوجتك ... ولم أعلق سوي بالصمت أيضاً ...
قالت : منذ أن كنا سوياً بالجامعة و قلبي متعلق بك وعندما جئت وعرضت علي عرضك تراهن معي جميع من أعرفهم علي أنك ستخلف وعدك في منتصف الطريق ولكنك لم تفعل وقلت لهم حينها سأتزوج رجلاً وها قد فعلت
والأن أنا ملك لك للنهاية ربما جمعتنا ظروف صعبة وربما تحملتني كثيراً وأقدر لك ذلك لكن حبي لك سبق كل هذا ..
حبي لك لا يندرج أبداً تحت بند رد الجميل فحقيقة قلبي مُتيم بك ...

لم أستطع الصمت أكثر من ذلك فاقتربت منها وقبلتها قبلة علي جبينها وضممتها إلي صدري وأحسست بأنني علي قيد الحياة للمرة الأولي .. صدقاً إني أحبها ..

قطعت فترة صمتي وتفكيري العميق بابتسامة تتخللها الدموع وفرحت كثيراً بأن الحلم قد توقف في ذلك التوقيت بعد أن قبلتها علي جبينها .. لقد ساعدتني أختي علي أن لا أري منها أكثر مما رأيت بردائها المحافظ دائماً فعلي الرغم من أنني تزوجتها في الحلم وكان من حقي كل شيئ إلا أن الحقيقة هي الباقية وقد شرفت بتلك الحقيقة كثيراً ...

إن الحياة ليست بتلك البساطة التي نتمناها ولكن ستظل الأحلام وحدها هي الشيئ الوحيد الذي نستطيع أن نحرك فيه الظروف لتصل بنا إلي ما يريده داخلنا وربما يكون شيئاً مجنوناً لاستحالة تحقيقه علي أرض الواقع فنحققه بجنون في أحلامنا ... ........... تمنيت كثيراً لو استطعت أن أقول لها ..

دعيني أخبرك أنني أكون في قمة سعادتي عندما أراكِ ولكن لن أستطيع إخبارك بأكثر من ذلك حتي لا تتحول سعادتي لحزن دفين فلتكفيني إذن رؤيتك ذكري هادئة أعيش عليها ...

عاد كل شيئ لطبيعته فما زلت في منزلي ومازالت هي في منزلها ومازال كل من نعرفهم علي قيد الحياة وكتبت قبل أن أعود إلي سريري متمنياً أن أحلم بها مرة أخري ....

بين الحين والأخر أري أشخاصاً أتمني أن أجلس معهم وأحادثهم وأعتقد حقاً أن قلبي سيكون علي وفاق معهم ولكن تمنعني أقداري ... 

بقلم : محمد مندور 
6-2-2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق