استقل القطار في الصباح الباكر من المركز التابع له قريته بصحبة زوجته متوجهاً إلى مدينة الأسكندرية ..
لا يملك في جيبة إلا ثمن تذكرتي العودة في هذا القطار الذي يسبب آلاماً في العمود الفقرى على المدى القريب تشعر بها بمجرد نزولك من القطار ! بالإضافة إلى بعض الأموال القليلة والتي استطاع تدبيرها خلال الأسبوع الماضي من عمل إضافى في أرض أحد الأقارب ..
نزل من القطار في الأسكندرية واستقل قدميه للذهاب إلى منطقة المنشية تلك المنطقة الملعونة ...
ولده الوحيد اعتقل ظلماً من المدينة الجامعية لنشاطه الملحوظ في رفض الظلم ولم يكن هو ليظلمه فقد ازداد شرفاً بأن يكون ولده أحد الأبطال ولكن !! ..
ظل يبحث عنه .. ينتقل من مكتب إلى مكتب ، ومن ضابط إلى أمين شرطة ، ومن مُحضر إلى كاتب إلى قاضي ليعرف أين ولده وهل وصل إلى المحكمة ليحضر جلسته أم لم يصل بعد ..
لم يستطع أن يعرف شيئاً فقاده الأمل ناحية تجمع بعض الأشخاص في انتظار خروج ذويهم من حجز المحكمة ..
ظل واقفاً بجانبهم تحمل زوجته في يديها حقيبة متهتكة بها زجاجة مياة وبعض عبوات العصير وبعض الأرغفة التي استطاعت تدبيرها لتعطيها لولدها يستعين بها على تلك الرحلة الشاقة ..
خرج هذا فحياه الكثير ممن يعرفونه والتقطوا له الصور وحياهم بالمثل ، وهذا خرج فواساه الجميع بعد أن تم الحكم عليه وكان في انتظارة عشرات المحبين ..
وهذا يقف بجانب زوجته يبحث بقلبه بين الأحرار عن ولده فلم يجده !
انتهي اليوم بالنسبة للكثيرين .. منهم من فرح ومنهم من حزن قليلاً ومنهم من اعتاد على هذا المشهد فلم يشعر بشيئ !
أما هو فلم يستطع رؤية ولده ، ولم يستطيع تخليد ذكراه أثناء خروجه في صفوف الأبطال ، ولم يستطع حتى معرفة إن كان قد حضر أم لا ، ولم يستطع أن يعرف حتى الحكم الصادر تجاهه ..
ربما لم يستطع توكيل محامي لولده من الأساس ..
استقل القطار عائداً إلى منزله تتملكه حسرة وقهر يخفيه عن زوجته التي لم تتوقف عن البكاء بعد أن خاب أملها في رؤية ولدها اليوم ..
وظلت عين الله تراقبهم ولو نزل وحياً لأخبرهم بأن الله يعرفه وما نفعه بمعرفة العباد ؟!
محمد مندور
26- 6 - 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق