expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

السبت، 30 يوليو 2011

أوله مرق وأوسطه خلق وأخره حلق



وكعادتي منذ بداية رمضان أن أستيقظ في تمام الساعة الخامسة والنصف صباحاً لأذهب إلى عملي " تدريبي " في إحدي شركات المقاولات الهندسية بداخل حديد عز " سابقاً "  وكعادتي أيضاً صليت الصبح وبدلت ملابسي وانطلقت إلى مكان الأتوبيس الذي يقلنا إلى الدخيلة وعندما أخذت أول شارع شمال وجدت ثلاثة من الجيران يشربون السجاير الملغمة بالحشيش ولكنني لم أنتبه لذلك فالطبيعي هوما يحدث وهو يحدث كل يوم وأمر تعودت عليه كثيراً ...

أكملت المسير في طريقي إلى الأتوبيس ولكنني رأيت ذلك الفرن الذي كنت أشتري منه فطوري كل يوم حينها تعقلت وأيقنت أننا في رمضان فأصابني وجوم كيف يشرب هؤلاء ذلك أثناء الصيام ولكن وجومي لم يمنعني من ركوب الأتوبيس والانطلاق إلى الدخيلة ...

وصل الأتوبيس إلى الدخيلة بحمد الله سالماً ودخلت إلى مكان عملي وبدلت ملابسي مرة أخرى استعدادا لبدء العمل .
وجلسنا نتحدث قليلا عن مشقة الصيام ذلك العام وما نعانيه في ذلك الجو شديد الحرارة ولكن سرعان ما أتفقنا على أن " كلو بثوابه " وهدأ الحديث قليلاً وبدأنا نحاول تتبع مصدر ذلك الصوت المتعالي والسباب المتتالي وإذا به يأتي من خارج المكتب وإذا بأحد العمال الكبار في الموقع يتشاجر مع أخر وبدون أدني أدب وبدون وجود لكلمة الاحترام سمعنا سباباً يندى له الجبين وصلت إلى الاعتداء بالأيدي وحينها تدخل مدير الموقع العام وقام بفض المشاجرة وهدأت الأجواء وعاد كل منا إلى موقعه وذهبت أنا الأخر إلى موقعي لأصاب بحالة من الذهول الشديدة عندما وجدت ما يقرب من تسعون بالمائة من العاملون مفطرون " شاي وسجاير ومياة مثلجة " كذلك هم يعرفون رمضان فشباب هم زهرة المجتمع لايعرفون الصيام ورجال شاخت أجسادهم يصرون علي الصيام ..

ازداد الذهول بالنسبة لي عندما أخذت زجاجاة المياة لأغسل بها وجهي من أثر الحر الشديد والشمس الحارقة وعندما وضعتها جانباً أخذها شيطان من الإنس ورفعها وشرب منها جهاراً نهاراً حينها أصررت على سؤال ذلك الشاب بغيظ شديد " إنت مبتصومش ليه ؟؟؟ " وكان الرد غريباً للغاية مثل الفعل فقد قال " أصلي مبعرفش أصوم " !....
الكارثة الكبيرة ليست في ذلك الشاب ولكن في ذلك الجيل المظلوم الذي سيربى على يديه ومن وراءة أجيال وأجيال ..

كتمت غيظي وانفعالي من ذلك الرد ودخلت إلى المكتب وأنا أحمل في قلبي غيظاً شديداً مما يحدث ولا أجد تفسيراً لأجد جريدة المصري اليوم كما أعتدت أن أجدها كل يوم حيث يحضرها زميل لنا في العمل كل صباح جلست وكعادتي أتصفح الجريدة وإذا بي أجد صفحة أو صفحتين على ما أذكر هي عبارة عن إعلانات مسلسلات رمضان فقط . أكثر من حوالي ثلاثون مسلسلاً قرأت أسمه ..... ما هذا العدد ؟؟ ما هذا الكم الغريب ؟؟
يقابل تلك الصفحة صفحة أخرى لرجال الدين الإعلاميين الذين ابتعدوا كل البعد عن الدين وأصبحت الأمور " بيزنيس " إلا من رحم ربي .......

فرغت أخيراً من التقليب في صفحات
 الجريدة واتجهت فوراً إلى قسم الحوادث لأجد ما يصعب على أمثالي تفسيره أو إعطاء مبررات له .....
- أمرأة تقتل إبنتها الصغيرة بمساعدة زوجها لأنها كثيرة البكاء !!! ...

- شاب في إحدى كليات الهندسة يشنق نفسه برباط جزمة !!! ...
- مقتل أربعة أشخاص في مشاجرة بالسنج والمطاوي !!! ...
والكثير والكثير والكثير !!!

أخذت أقلب في الجريدة لعلي أجد ما يكذب أننا في ذلك الشهر الكريم ولكن ها هي إعلانات المسلسلات وها هو التاريخ يؤكد ذلك ...

مر الوقت سريعاً فبأذان الظهر نصلي وتبدأ مراسم الاستعداد للرحيل كلاَ منا إلى بيته ...

انطلقنا بالفعل وفي الطريق حدثت مشاداة بين شخصين في الأتوبيس وتدخل المشرف بوابل من السباب مع الطرفين تحت بند " أصله صايم وخلقه ضيق "  

لم يختلف الجو الخارجي عن ما حدث داخل الأتوبيس كثيرا فلقد شاهدت ما يقرب من عشرين مشاجرة في الطريق لا تستطيع رؤيتهم في الأيام العادية !!!  
وجميعهم أيضاً تحت بند " أصلوا صايم وخلقه ضيق " ..
وصلت إلى منزلي بسلام وأمان وأحمد الله لأنني أطمأننت كثيراً عندما دخلت منزلي فقد أحسست حينها أني مازلت في شهر الصيام ...
 فرغت من الاستحمام والصلاة وحينها لم أستطع البقاء على قيد الحياة أكثر من ذلك فانطلقت إلى سريري لأنام سريعاً من شدة التعب والأرهاق ..

على غير العادة تركتني والدتي نائماً حتى أذان المغرب فقمنا وصلينا وجلسنا للفطور وكان يوماً جميلا فرمضان يحمل مكانة خاصة جدا في قلوبنا جميعاً ...

سريعاً ما انتهينا من الإفطار وبدأت الاستعداد للنزول إلى صلاة التراويح وبالفعل صليت في أحد المساجد القريبة مع أحد أصدقائي وأثناء سيري في الشوارع كنت فرحاً للغاية فتجد الأنوار والزينات والأطفال تلهو وتلعب وتسمع أصوات الصواريخ المختلفة طوال الطريق ..

ولكن كان هناك ما يغضبني غضباً شديداً ويجعلني أستنكر ما أراه بشدة فقديما كان من الطبيعي أن ترى رجلاً يأخذ مخطوبتة أو زوجتة إلى المسجد ليصليا القيام سوياً في جو مطبوع عليه الاحترام فالزوجة ترتدي ملابسها الفضفاضة للصلاة والزوج يسير معها في هدوء وسكينة ..

لكن ما رأيتة كان محزناً للغاية فالشاب يمشي متباهياً ب " السيجارة" وفي يداه الأخرى " البت بتاعتو " تحمل " مصلية " في يديها الأخرى وتلبس ثوباً كان من الأكرم لها أن تخلعة وتسير بدونه.....
أمر محزن للغاية أن ترى جانب المصلى الشاب ينتظر الفتاة التي توهم أهلها أنها تصلي ولكن الصلاة بريئة منها

عدت إلى منزلي وأنا أحاول أن أجد تفسير لما أراه وما رأيته ولكني لم أجد......

غير ما قالته لي والدتي عن الشيخ كشك رحمة الله " إن لم تخني الذاكرة " فقد كان يقول وصفاً لرمضان عند المسلمين " أوله مرق ... أوسطه خلق ... أخرة حلق " فأول عشر هم للعزومات والمناسبات أما ثاني عشر فهم لشراء لبس العيد أما العشر الأواخر فهم للكحك والبسكويت ....

نسينا أن " أوله رحمة وأوسطة مغفرة وأخره عتق من النار"

أصبحنا نعمل بمبدأ " أول عشرة صوم وعبادة تاني عشرة من دة على دة  تالت عشرة ولا دة ولا دة  "

لا أعرف لماذا أصبح حالنا هكذا لماذا أصبحنا بعيدين كل البعد عن المولى عزوجل
حتي في أعظم الشهور التي أنعم علينا بها وعلى الرغم من أن الشياطين مُسلسلة من قِبل الرحمن ولكن ما أكثر شياطين الإنس التي تتفوق علي الجن ... أصبحنا نمتلك أيضاً كم كبير من عدم الإحساس بما نعمل ونطلب من الله أن يرفع عنا الغلاء والأمراض ...

كيف نعصي الله ونطلب منه أن يجعلنا سعداء في الدنيا
لقد عشت طول حياتي أعترف أن " الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم " وقد حان وقت التغيير فماذا ننتظر ؟؟؟ ..
المولي ينتظرنا في الأعلي بشغف فهو ينتظر عباده وينتظر توبتهم إنه يشتاق إلينا كي نتوب ولكنا نأبي ....

أعرف أن فينا من من الله عليه بالإيمان ولكن ليس هذا هو المطلوب فقط فلا يصح أن تكون عبداّ مؤمنا ولا يتمعر وجهك لله قط أعي جيداً أننا نحن الشباب قادرون على إحداث التغيير فقد قررت من اليوم أنني عندما أري منكراً لن أسكت أبداً ولابد أن تقررون معي أنتم كذلك ..... ينتظر المولي توبة عباده ينتظرني أنا وأنت وينتظر أن تأتي بأخيك معك ...

فهيا بنا لنعود برمضان إلي " أوله رحمة ... وأوسطة مغفرة ... وأخره عتق من النار "

وأخيراً وليس أخراً ...

لقد كتبت ذلك المقال بعد نهاية شهر رمضان الماضي ولم أتخيل إني سأري ذلك الشهر العظيم بكمية تلك الذنوب التي تصعد للسماء كل ليلة مرة ثانية ولكنني كنت مخطئاً حينها ولعلك تنزعج وتقول  " احنا لسة طالعين من ثورة  والتغيير و ... و .... "
ولكنني أقول أنها كانت ثورة لإسقاط فساد الرئيس والحكومة ولكن لكي تكون ثورة حقيقية لابد أن يكون لها توابع ومنها ثورة مصلحي الشعب على مفسدي الشعب ثورة أخلاقية ، فكرية ، اجتماعية ........
أعرف جيداً أن معظم من سيقرؤن ذلك المقال من أصدقائي وشباب جيلي ليسوا بتلك الوحشية في ارتكاب الذنوب ولكن أنتم من أستطيع الوصول إليهم فلو كنت أمتلك قناة تلفزيونية أو قلم في جريدة كبيرة لأوصلت رأيي لجموع الشعب المذنب .....

 ولكن طالما معظمنا لا يقوم بتلك الممارسات في رمضان فلماذا أكتب إليكم ؟؟؟ ....

إني أكتب تلك الكلمات لكم لأن منكم الكثير من مصلحي الشعب ودوركم كبير ولست أنا من يعرفكم به فأنتم تعلمونه جيداً ...
لا يكفي أبداً التزامنا الصلاة وراء الشيخ حاتم والشيخ فلان والشيخ فلان وعندما نرى تلك الممارسات ندير أوجهنا عنها
الإصلاح والدعاء هما سلاحنا لنعود برمضان إلي ......

" أوله رحمة ... وأوسطة مغفرة ... وأخره عتق من النار "


بقلم : محمد مندور 
31 /7 / 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق