expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

الأحد، 14 أبريل 2013

الديكتاتور الكامن للإنهيار



لم تكن والدتي فرنسية الأصل حتي تختلف طباعها عن باقي الأمهات المصريات بل أعتقد أنها أسوء منهن في طباعها ربما لأنها تحملت مسئولية تربية أربعة أبناء صغار وحدها بعد أن وقف الموت حائلاً بينهم وبين أبيهم ولم 
يستطع تأدية دوره في تربيتهم وربما لأن هذا طبع نشأت عليه وكما نقول دائماً " من شب علي شيئ شاب عليه "

ما أتحدث عنه تحديداً عزيزي القارئ حتي لا تختلط عليك الأمورهي ديكتاتورية أمي ولو حاولت سرد جميع المواقف التي حدثت بيني وبينها تأكيداً علي كلامي لكتبت رواية كاملة ولذلك سأكتفي بموقفين أو ثلاثة لأن المجال 
لا يتسع لذكرهم

عندما كنت أذهب للحلاق في صغري ويسألني عن نوع قصة الشعر التي أريدها لم أكن أتردد ولو لثانية واحدة أن أقول له " حلاقة عادية علي جمب " وكنت أشاهد باقي الأطفال يفعلون في فروة رأسهم الأفاعيل وأتمني أن أفعل مثلهم ما يتناسب مع تربيتي المحافظة ولكن كانت أحلامي تتحطم علي صخرة رغبات والدتي ....
مرت الأعوام وتقدم بي العمر وأصبحت أري أنه من الضروري أن أغير قصة شعري لتتناسب مع عمري وقد حاولت إقناعها مرات عديدة ولكنها كانت ترفض دائماً بحجة أن أي قصة أخري هي سمة أساسية من سمات الشاب " الصايع " ولكنني لم أنتظر طويلاً حتي أفاجئها بأنني قد غيرتها ولم أستسلم أبداً لتهديداتها بأنها ستأتي إلي أثناء نومي لتقص لي جزء من شعري حتي أكون مجبراً علي الرجوع إلي شكلي القديم ....
حدث هذا مرة أخري مع حلاقة شاربي وذقني ومع طلبي بأن أذهب إلي شاطئ البحر بصحبة إخواني في المسجد ومع طلبي المتكرر بتغيير نظام البيت لأنه أصبح لا يتناسب معنا بعد أن أصبحنا في الجامعة وفي كل مرة كنت أفاجئها بعمل ما يحلو لي حتي أصبح تهديدها لا يمثل شيئاً بالنسبة لي وصرت أفعل ما أشاء ....

لم تكن والدتي هي الشخصية الديكتاتورية الوحيدة التي قابلتها إلي الأن فقد قابلت شخصيات عديدة منها علي سبيل المثال " دكتور الجامعة " والذي يحمل الطلاب دائماً ذنب عدم حضور محاضراته ومستواهم السيئ وينعتهم دائماً بالإستهتار ويتمني لو أن التعليم المصري يشبه التعليم الأمريكي علي سبيل المثال فيما يخص الطلاب فقط أما فيما يخص أعضاء هيئة التدريس فهو يراهم يطبقون النظام الأمثل ومع تزايد طلبات التغيير من الأجيال الحديثة عمرياً تجده يطبق النظام الديكتاتوري الأصيل الذي كان يطبقه النظام السابق " قل ما تشاء ولكنني أري الصورة كاملة وأري الأفضل !! " ...

لم يكن اختيار شخصية الأم وشخصية دكتور الجامعة كأمثلة اختياراً عشوائياً بل تم اختيارهم لأنهم اشتركوا في موقف ديكتاتوري واحد وكان ذلك عندما رسبت في السنة الثانية من الجامعة فقد حملوني وحدي ذنب الرسوب ورغم أنني أتحمل فعلياً جزء من ذلك الذنب إلا أن هناك عوامل أخري مشتركة منهم ساعدت في ذلك وهذا ما أغفلوا أبصارهم عنه .

اعتقدت في البداية أن هذا هو النظام المتبع مع جميع الفئات العمرية بمعني أنني كنت أنتظر أن يكون رأيهم فيمن هو أكثر منهم سلطة بنفس المنطق وهو أن هذا الشخص يعرف أكثر منهم ونظامه هو الأفضل وهذا مالم أجده فعلياً فهم يتعاملون باتفاق تام مع من يوافهم الرأي ولا يخجلون من وصف من يخالفهم في الرأي بالديكتاتور فوالدتي تري دائماً أن مؤسسة الرئاسة متمثلة في رئيس الجمهورية علي حق دائماً لأنها تتفق مع نفس وجهة نظرها أما أحد أعضاء هيئة التدريس الفلول سابقاً والثائر حالياً يري أن الرئيس ديكتاتور تنطبق عليه جميع المواصفات ....  

اعتذر عن تلك المقدمة الطويلة والتي لا غني عنها لإيضاح الفكرة ويبقي السؤال الأن ..
هل نظام الحكم الأن نظاماً ديكتاتورياً ؟! هل الرئيس مشروع ديكتاتور قادم ؟! ......

أعتقد أن الأجابة لن تكلف الباحث عنائاً شديداً إذا كان يتخذ الإنصاف مبدئاً لحياته ...
مما لاشك فيه أن نظام المجتمع المصري وربما نظام الحكم السابق قد صنعوا تربة خصبة للديكتاتوية داخل جميع المواطنين والتي تظهر واضحة وبشكل كبير في الأجيال القديمة وتقل بنسبة كبيرة في جيل الشباب الحالي وحقيقة لا أعرف السبب فربما هذا الجيل من الأجيال المباركة ......
ومما لا شك فيه أيضاً أن هناك فرق كبير بين الديكتاتورية والحزم الذي نحتاجه بشده في الفترة الحالية ولأن الإنصاف عزيز أقول أنني لم أري فعلياً ما يؤشر علي وجود ديكتاتور علي مقعد الرئيس فجميع المواقف التي اتخذها واعتقد البعض أنها ديكتاتورية مقنعة لم تكن إلا حزم مازلنا نفتده وعلي الرغم أيضاً من الديكتاتورية الواضحة في إسلوب تعامل جماعة الإخوان المسلمين والتي ينتمي إليها الرئيس إلا أن إسلوب الرئيس مختلف إلي حد كبير عن الجماعة فهو يفتقد الحزم أحياناً كثيرة مما يجعل وصفه بالديكتاتور الأن أمراً لا يرتقي إلي الأنصاف أبداً ....

علي الرغم مما ذكرته إلا أن صناعة الديكتاتور في شخص الرئيس أمراً وارداً مع اتفاقنا بأن داخل هذا الجيل تربة خصبة للديكتاتورية ويظل الضامن الوحيد لعدم حدوث هذا هو المعارضة الشريفة والتي تعتمد علي الإنصاف وهذا ما لا أجده إلا في أقل القليل من المعارضين وهذا ما يشعرني بالقلق للأسف الشديد ...

إن ما يحدث الأن لن يصنع ديكتاتور بالطبع ولكن لن يصنع بلداً حراً أيضاً كل ما سيفعله هو أنه سيدخلنا في دائرة مغلقة تجر مصر عشرات السنين للخلف ......

بعد التفكير والبحث في أمر تلك الصفة البذيئة وجدت أن الأمر معقداً إلي حد كبير فهناك جانبين تظهر فيهم تلك الصفة بشكل كبير ....
الأول : الديكتاتورية بين الأجيال فهناك دائماً سلوك ديكتاتوري من الجيل الأكبر علي الجيل الأصغر يصل إلي حد التهميش والإستهانة بالفكر ...
الثاني : ديكتاتورية بين الجيل الكبير بعضه البعض وتظهر بشكل واضح عندما يحدث اختلافاً في الرأي ...
وثالثاً والتي لا يعتد بها بين أنواع الديكتاتورية لقلة نسبتها مقارنة بالأنواع الأخري هي الديكتاتورية بين جيل الشباب بعضه البعض ....  

عن تجربة وبعد عدة محاولات معارضة لإصلاح هذا الجيل اقتنعت بأن " من شب علي شيئ شاب عليه " ولكنني أدعو إلي عدم التوقف عن المعارضة المنصفة لعل الأحوال تتبدل وأقول لهم " اللي بيته من إزاز ميحدفش الناس بالطوب " بمعني أن ليس من حقك أن تنعت الرئيس علي سبيل المثال بالديكتاتورية وأنت في قمة الديكتاتورية في المكان الذي أنت مسئول عنه وأزيد علي ذلك أن الأمل لم يعد باقياً إلا في الشباب ...
فدعونا نجرف التربة الداخلية لكل منا من تلك الصفة ونصنع حول كل منا أسواراً من الإنصاف نحمي بها أفكارنا ..
في النهاية لا يوجد صحيح مطلق ولا خطأ مطلق في أفكار البشر ولذلك فمن المؤكد أن النظرية التي أحكم بها يشوبها خطأ وبالطبع أيضاً لكل قاعدة شواذ ..

كنت أتمني أن أختتم مقالتي بالتفاؤل ولكن ما يحدث الأن علي الساحة السياسية والإجتماعية بشكل عام في مصر لا يبشر بأي خير في ظل تواجد الديكتاتور الكامن للإنهيار داخل النفوس إلا إذا قررنا تغيير النفوس ويبقي هذا حلماً !!! ...

بقلم : محمد مندور
29-1-2013   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق